الحب في العناية المركزة
--------------------------------------------------------------------------------
قبل ثلاث سنوات تقريبا ، أدخلت سيدة مسنة في الخامسة و السبعين من عمرها إلى العناية المركزة . كانت تعاني
من فشل في القلب ناجم عن ضعف عضلة القلب . إلى جانب ذلك كانت تعاني من ( أمراضنا الوطنية ) و هي أ
مراض ارتفاع ضغط الدم و السكر و السمنة. كانت قد فقدت بصرها بسبب السكر و تستعين بسماعات لكي تتمكن
من السماع جيدا.و طبعا لا داعي للقول بأنها لا تستطيع مغادرة الفراش بسبب السمنة و لآلام المفاصل و ضعف ا
لقلب . في صباح اليوم التالي ، جاءت إحدى بناتها تطلب الدخول لزيارتها. قلت لها أن الزيارة غير مسموح بها الآن
و أن عليها أن تأتي عصرا .فأخذت تبكي و ترجوني أن أسمح لها بالدخول ، لأنها تخاف أن تتوفى والدتها قبل أن ت
سامحها . فهي كما قالت لم تزر والدتها و لا تكلمها منذ سنوات ! لم أستطع التعليق على الموضوع و سمحت لها ب
الدخول في أول فرصة سنحت بعد انتهائنا من المرور على المرضى . مالذي يمكن أن تفعله أم مسنة مريضة لا ت
رى و لا تكاد تسمع أو تتحرك بابنتها ، حتى تستحق منها كل هذه القطيعة ؟
و في إحدى المرات استقبل أطباء الحوادث رجلا مسنا يعاني من جلطة دماغية .من أحضره هو ( الصبي السائق الخادم ) ، الذي يعتني به .طلبوا منه الاتصال بأبناء المريض ليحضروا حتى يستطيعوا معرفة حالته و الأمراض التي يعاني منها و الأدوية التي يتلقاها . فإذا به يقول أنه هو المسئول عنه و يعرف كل ذلك و هو من يعطيه أدويته في مواعيدها و يذهب به لمراجعات العيادة في المستشفى . بل إنه أيضا يعرف رقم ملفه و يقوم باستخراجه في كل مراجعة!
في إحدى مناوباتي طلبت مني ممرضة أن أسحب دما لمريضة عندهم في الجناح لأنها تجد صعوبة في ذلك .ذهبت للمساعدة رغم أني لست مسئولة عن حالة المريضة ، فوجدتها سيدة مسنة أيضا و تعاني من جميع الأمراض الموجودة في كتب الطب ، و تتلقى ( صيدلية ) كاملة من الأدوية ، و ليس معها إلا الخادمة التي بالكاد تتحدث العربية - لأنها قدمت حديثا لتعمل هنا - و هي أيضا مسئولة عن رعاية السيدة .و السيدة المسنة ليست بوعيها الكامل بسبب جلطة دماغية قديمة . عندما اقتربت من السيدة المريضة لأسحب الدم لم أستطع التقدم كثيرا بسبب انبعاث رائحة كريهة جدا منها و اضطررت لاستعمال ثلاث أقنعة وجه لأستطيع الاقتراب منها و سحب عينة الدم . تمكنت من ذلك بصعوبة ، و بمجرد الانتهاء قصدت غرفة التمريض في الجناح لأفرغ معدتي ( أجلكم الله ) من شدة الغثيان الذي أصابني من رائحة السيدة !
تصادفنا في المستشفى حول إهمال الأبناء لرعاية آبائهم و أمهاتهم المرضى عند كبر سنهم .لن أحول المدونة إلى مكان لشرح المكانة الدينية و الأخلاقية لبر الوالدين .. لكن ما أردته هو تسليط الضوء على تفشي القسوة في قلوب الكثير من الناس ، و تبلد مشاعرهم و غياب ضمائرهم اتجاه أقرب الناس لهم .و الله المستعان .
و دمتم منقوووووووووووول